فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ} ثم أحال كفار قريش وهم أصحاب الضمير في {يسيروا} على الاعتبار بالأمم القديمة التي كذبت أنبياءها فأهلكها الله تعالى.
وقوله: {فينظروا} يحتمل أن يجعل في موضع نصب جواب الاستفهام، ويحتمل أن يكون مجزومًا عطفًا على {يسيروا}. و: {كيف} في قوله: {كيف كان عاقبة} خبر {كان} مقدم، وفي {كيف} ضمير، وهذا مع أن تكون {كان} الناقصة. وأما إن جعلت تامة بمعنى حدث ووقع، ف {كيف} ظرف ملغى لا ضمير فيه.
وقرأ ابن عامر وحده: {أشد منكم} بالكاف، وكذلك هي في مصاحف الشام، وذلك على الخروج من غيبة إلى الخطاب. وقرأ الباقون: {أشد منهم} وكذلك هي في سائر المصاحف، وذلك أوفق لتناسب ذكر الغيب.
والآثار في ذلك: هي المباني والمآثر والصيت الدنياوي، وذنوبهم كانت تكذيب الأنبياء، والواقي: الساتر المانع، مأخوذ من الوقاية.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)} قوله تعالى: {ذلك} إشارة إلى أخذه إياهم بذنوبهم وإن لم يكن لهم منه واق. ثم ذكر تعالى أن السبب في إهلاكهم هو ما قريش عليه من أن جاءهم رسول من الله ببينات من المعجزات والبراهين فكفروا به، وذكر أن الله تعالى أخذهم، ووصف نفسه تعالى بالقوة وشدة العقاب، وهذا كله بيان في وعيد قريش.
ثم ابتدأ تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون وملإه، وهي قصة فيها للنبي صلى الله عليه وسلم تسلية وأسوة، وفيها لقريش والكفار به وعيد ومثال يخافون منه أن يحل بهم ما حل بأولئك من النقمة، وفيها للمؤمنين وعد ورجاء في النصر والظفر وحمد عاقبة الصبر، وآيات موسى عليه السلام كثيرة عظمها، والذي عرضه على جهة التحدي بالعصا واليد، ووقعت المعارضة في العصا وحدها ثم انفصلت القضية عن إيمان السحرة وغلبة الكافرين. والسلطان: البرهان.
وقرأ عيسى بن عمر: {سلُطان} بضم اللام، والناس على سكونها.
وخص تعالى: {هامان وقارون} بالذكر تنبيهًا على مكانهما من الكفر، ولكونهما أشهر رجال فرعون وقيل إن قارون هذا ليس بقارون بني إسرائيل، وقيل هو ذلك، ولكنه كان منقطعًا إلى فرعون خادمًا مستعينًا معه.
وقوله: {ساحر} أي في أمر العصا. و: {كذاب} في قوله: إني رسول من الله.
ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لما جاءهم موسى بالنبوة والحق من عند الله، قال هؤلاء الثلاثة وأجمع رأيهم على أن يقتل أبناء بني إسرائيل أتباع موسى وشبانهم وأهل القوة منهم، وأن يستحي النساء للخدمة والاسترقاق، وهذا رجوع منهم إلى نحو القتل الأول الذي كان قبل ميلاد موسى، ولكن هذا الأخير لم تتم فيه عزمة، ولا أعانهم الله تعالى على شيء منه. قال قتادة: هذا قتل غير الأول الذي كان حذر المولود، وسموا من ذكرنا من بني إسرائيل أبناء، كما تقول لأنجاد القبيلة أو المدينة وأهل الظهور فيها: هؤلاء أبناء فلانة.
وقوله تعالى: {وما كيد الكافرين إلا في ضلال} عبارة وجيزة تعطي قوتها أن هؤلاء الثلاثة لم يقدرهم الله تعالى على قتل أحد من بني إسرائيل ولا نجحت لهم فيه سعاية، بل أضل الله سعيهم وكيدهم.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)} الظاهر من أمر فرعون أنه لما بهرت آيات موسى عليه السلام انهد ركنه واضطربت معتقدات أصحابه، ولم يفقد منهم من يجاذبه الخلاف في أمره، وذلك بين من غير ما موضع من قصتهما، في هذه الآية على ذلك دليلان، أحدهما قوله: {ذروني} فليست هذه من ألفاظ الجبابرة المتمكنين من إنقاذ أوامرهم. والدليل الثاني: مقالة المؤمن وما صدع به، وأن مكاشفته لفرعون أكثر من مسايرته، وحكمه بنبوة موسى أظهر من توريته في أمره. وأما فرعون فإنما لجأ إلى المخرقة والاضطراب والتعاطي، ومن ذلك قوله: {ذروني أقتل موسى وليدع ربه} أي إني لا أبالي عن رب موسى، ثم رجع إلى قومه يريهم النصيحة والحماية لهم فقال: {إني أخاف أن يبدل دينكم}. والدين: السلطان، ومنه قول زهير:
لئن حللت بجوٍّ من بني أسد ** في دين عمرو وحالت بيننا فدك

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: {وأن}. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: {أو أن} ورجحها أبو عبيد بزيادة الحرف، فعلى الأولى خاف أمرين، وعلى الثانية: خاف أحد أمرين.
وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم والحسن وقتادة والجحدري وأبو رجاء ومجاهد وسعيد بن المسيب ومالك بن أنس: {يُظهِر} بضم الياء وكسر الهاء.
{الفسادَ} نصيبًا. وقرأ ابن كثير وابن عامر: {يَظهرَ} بفتح الياء والهاء {الفسادُ} بالرفع على إسناد الفعل إليه، وهي قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر عن عاصم والأعرج وعيسى والأعمش وابن وثاب وروي عن الأعمش أنه قرأ: {ويظهرُ في الأرض الفساد} برفع الراء. وفي مصحف ابن مسعود: {ويظهر} بفتح الراء.
ولما سمع موسى عليه السلام مقالة فرعون- لأنه كان معه في مجلس واحد- دعا وقال: {إني عذت بربي وربكم} الآية. وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر ببيان الذال. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: {عذت} بالإدغام، واختلف عن نافع، وفي مصحف أبي بن كعب: {عت} على الإدغام في الخط ثم حكى مقالة رجل مؤمن من آل فرعون وشرفه بالذكر، وخلد ثناءه في الأمم، سمعت أبي رضي الله عنه يقول: سمعت أبا الفضل الجوهري على المنبر وقد سئل أن يتكلم في شيء من فضائل الصحابة، فأطرق قليلًا ثم رفع رأسه وأنشد عدي بن زيد: الطويل:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ** فكل قرين بالمقارن مقتد

ماذا تريدون من قوم قرنهم الله بنبيه صلى الله عليه وسلم وخصهم بمشاهدته وتلقي الوحي منه؟ وقد أثنى الله على رجل مؤمن من آل فرعون كتم إيمانه وأسره، فجعله الله تعالى في كتابه وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر، وأين هو من عمر بن الخطاب رضي الله عنه جرد سيفه بمكة وقال: والله لا عبد الله سرًا بعد اليوم.
وقرأت فرقة: {رجْل} بسكون الجيم، كعضد وعضد، وسبع وسبع، وقراءة الجمهور بضم الجيم واختلف الناس في هذا الرجل، فقال السدي وغيره: كان من آل فرعون وأهله، وكان يكتم إيمانه، ف {يكتم} على هذا في موضع الصفة دون تقديم وتأخير، وقال مقاتل: كان ابن عم فرعون. وقالت فرقة: لم يكن من أهل فرعون.
وقالت فرقة: لم يكن من أهل فرعون. بل من بني إسرائيل، وإنما المعنى: وقال رجل يكتم إيمانه من آل فرعون، ففي الكلام تقديم وتأخير، والأول أصح، ولم يكن لأحد من بني إسرائيل أن يتكلم بمثل هذا عند فرعون، ويحتمل أن يكون من غير القبط، ويقال فيه من آل فرعون، إذ كان في الظاهر على دينه ومن أتباعه، وهذا كما قال أراكة الثقفي يرثي أخاه ويتعزى برسول الله صلى الله عليه وسلم: الطويل:
فلا تبك مْيتًا بعد مْيت أجنه ** علي وعباس وآل أبي بكر

يعني المسلمين إذ كانوا في طاعة أبي بكر الصديق.
وقوله: {أن يقول} مفعول من أجله، أي لأجل أن يقول: وجلح معهم هذا المؤمن في هذه المقالات ثم غالطهم بعد في أن جعله في احتمال الصدق والكذب، وأراهم أنها نصيحة، وحذفت النون من: {يك} تخفيفًا على ما قال سيبويه وتشبيهًا بالنون في تفعلون وتفعلان على مذهب المبرد، وتشبيهًا بحرف العلة الياء والواو على مذهب أبي علي الفارسي وقال: كأن الجازم دخل على يكن وهي مجزومة بعد فأشبهت النون الياء من يقضي والواو من يدعو، لأن خفتها على اللسان سواء.
واختلف المتأولون في قوله: {يصبكم بعض الذي يعدكم} فقال أبو عبيدة وغيره: {بعض} بمعنى كل، وأنشدوا قول القطامي عمرو بن شييم: البسيط.
قد يدرك المتأني بعض حاجته ** وقد يكون مع المستعجل الزلل

وقال الزجاج: هو إلزام الحجة بأيسر ما في الأمر، وليس فيه نفي إضافة الكل. وقالت فرقة، أراد: يصبكم بعض العذاب الذي يذكر، وذلك كاف في هلاككم، ويظهر إلي أن المعنى: يصبكم القسم الواحد مما يعد به، وذلك هو بعض ما يعد، لأنه عليه السلام وعدهم إن آمنوا بالنعيم وإن كفروا بالعذاب فإن كان صادقًا فالعذاب بعض ما وعد به. وقالت فرقة: أراد ببعض ما يعدكم عذاب الدنيا، لأنه بعض عذاب الآخرة، أي وتصيرون بعد ذلك إلى الباقي وفي البعض كفاية في الإهلاك، ثم وعظهم هذا المؤمن بقوله: {إن الله لايهدي من هو مسرف كذاب} قال السدي: معناه: مسرف بالقتل. وقال قتادة: مسرف بالكفر.
{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)} قول هذا المؤمن: {يا قوم لكم الملك اليوم} استنزال لهم ووعظ لهم من جهة شهواتهم وتحذير من زوال ترفتهم ونصيحة لهم في أمر دنياهم.
وقوله: {في الأرض} يريد في أرض مصر وما والاها من مملكتهم. ثم قررهم على من هو الناصر لهم من بأس الله، وهذه الأقوال تقتضي زوال هيبة فرعون، ولذلك استكان هو ورجع يقول: {ما أريكم إلا ما أرى} كما تقول لمن لا تحكم له.
وقوله: {أريكم} من رأى قد عدي بالهمزة، فللفعل مفعولان أحدهما الضمير في {أريكم} والآخر ما في قوله: {إلا ما} وكأن الكلام أراكم ما أرى، ثم أدخل في صدر الكلام {ما} النافية وقلب معناها ب {إلا} الموجبة تخصيصًا وتأكيدًا للأمر، وهذا كما تقول: قام زيد، فإذا قلت: ما قام إلا زيد أفدت تخصيصه وتأكيد أمره. و{أرى} متعدية إلى مفعول واحد وهو الضمير الذي فيه العائد على {ما} تقديره: إلا ما أراه، وحذف هذا المفعول من الصفة حسن لطول الصلة.
وقرأ الجمهور: {الرشاد} مصدر رشد، وفي قراءة معاذ بن جبل: {سبيل الرشّاد} بشد الشين، قال أبو الفتح: وهو اسم فاعل في بنيته مبالغة وهو من الفعل الثلاثي رشد فهو كعباد من عبد. وقال النحاس: هو لحن وتوهمه من الفعل الرباعي وقوله مردود. قال أبو حاتم: كان معاذ بن جبل يفسرها سبيل الله. ويبعد عندي هذا على معاذ رضي الله عنه، وهل كان فرعون إلا يدعي أنه إله، ويقلق بناء اللفظة على هذا التأويل.
واختلف الناس من المراد بقوله: {وقال الذي آمن} فقال جمهور المفسرين: هو المؤمن المذكور أولًا، قص الله تعالى أقاويله إلى آخر الآيات. وقالت فرقة: بل كلام ذلك المؤمن قديم، وإنما أرد تعالى ب {الذي آمن} موسى عليه السلام، واحتجت هذه الفرقة بقوة كلامه، وأنه جلح معه بالإيمان وذكر عذاب الآخرة وغير ذلك، ولم يكن كلام الأول إلا بملاينة لهم.
وقوله: {مثل يوم الإحزاب} مثل يوم من أيامهم، لأن عذابهم لم يكن في واحد ولا عصر واحد. و{الأحزاب} المتحزبون على أنبياء الله تعالى، و{مثل} الثاني بدل من الأول. والدأب. العادة.
وقوله: {وما الله يريد ظلمًا للعباد} أي من نفسه أن يظلمهم هو عز وجل، فالإرادة هنا على بابها، لأن الظلم منه لا يقع البتة، وليس معنى الآية أن الله لا يريد ظلم بعض العباد لبعض، والبرهان وقوعه، ومحال أن يقع ما لا يريده الله تعالى.
وقوله: {يوم التنادي} معناه ينادي قوم قومًا ويناديهم الآخرون. واختلف المتأولون في {التنادي} المشار إليه، فقال قتادة: هو نداء أهل الجنة أهل النار {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا} [الأعراف: 44]، ونداء أهل النار لهم: {أفيضوا علينا من الماء} [الأعراف: 50]. وقالت فرقة: بل هو النداء الذي يتضمنه قوله تعالى: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} [الإسراء: 71]. وقال ابن عباس وغيره: هو التنادي الذي يكون بالناس عند النفخ في الصور نفخة الفزع في الدنيا وأنهم يفرون على وجوههم للفزع الذي نالهم وينادي بعضهم بعضًا، وروي هذا التأويل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون المراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة، ولها أجوبة بنداء وهي كثيرة منها ما ذكرناه، ومنها «يا أهل النار خلود لا موت»، ومنها «يا أهل الجنة خلود لا موت» ومنها نداء أهل الغدرات والنداء {لمقت الله} [غافر: 10]، والنداء {لمن الملك اليوم} [غافر: 16] إلى غير ذلك.
وقرأت فرقة: {التنادْ} بسكون الدال في الوصل، وهذا على إجرائهم الوصل مجرى الوقف في غير ما موضع، وقرأ نافع وابن كثير: {التنادي} بالياء في الوصل والوقف وهذا على الأصل. وقرأ الباقون {التناد} بغير يا فيهما، وروي ذلك عن نافع وابن كثير، وحذفت الياء مع الألف واللام حملًا على حذفها مع معاقبها وهو التنوين. وقال سيبويه: حذفت الياء تخفيفًا. وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو صالح والكلبي: {التنادّ} بشد الدال، وهذا معنى آخر ليس من النداء، بل هو من ند البعير إذا هرب، وبهذا المعنى فسر ابن عباس والسدي هذه الآية، وروت هذه الفرقة في هذا المعنى حديثًا أن الله تعالى إذا طوى السماوات نزلت ملائكة كل سماء فكانت صفًا بعد صف مستديرة بالأرض التي عليها الناس للحساب، فإذا رأى العالم هو القيامة وأخرجت جهنم عنقها إلى أصحابها فر الكفار وندوا مدبرين إلى كل جهة فتردهم الملائكة إلى المحشر خاسئين لا عاصم لهم، قالت هذه الفرقة، ومصداق هذا الحديث في كتاب الله تعالى قوله: {والملك على أرجائها} [الحاقة: 17] وقوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفًا صفًا} [الفجر: 22] وقوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} [الرحمن: 33].
وقوله تعالى: {يوم تولون مدبرين} معناه: على بعض الأقاويل في التنادي تفرون هروبًا من المفزع وعلى بعضها تفرون مدبرين إلى النار. والعاصم: المنجي. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{أَوَلَمْ يَسِيروُاْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ} أي مآلُ حالِ مَنْ قبلَهم من الأُممِ المكذبةِ لرُسلِهم كعادٍ وثمودَ وأضرابِهم.
{كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} قدرةً وتمكنًا من التصرفاتِ. وإنَّما جيءَ بضميرِ الفصلِ معَ أنَّ حقَّه التوسطُ بينَ معرفتينِ لمضاهاةِ أفعلَ للمعرفةِ في امتناعِ دخولِ اللامِ عليهِ. وقُرئ أشدَّ منكُم بالكافِ {وَءَاثَارًا في الأرض} مثلُ القلاعِ الحصينةِ والمدائنِ المتينةِ، وقيلَ: المَعْنى وأكثرَ آثارًا، كقوله:
متقلدًا سيفًا ورُمحًا..
{فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ} أخذًا وبيلًا {وَمَا كَانَ لَهُم مّنَ الله مِن وَاقٍ} أي منْ واقٍ يقيهم عذابَ الله.
{ذلك} أي ما ذُكِرَ من الأخذِ {بِأَنَّهُمْ} بسببِ أنَّهم {كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات} أي المعجزاتِ أو بالأحكامِ الظاهرةِ {فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ الله إِنَّهُ قَوِىٌّ} متمكنٌ مما يريدُ غايةَ التمكنِ {شَدِيدُ العقاب} لا يُؤبَهُ عندَ عقابِه بعقابٍ.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا} وهي معجزاتُه {وسلطان مُّبِينٍ} أي وحجَّةٍ قاهرةٍ وهيَ إما عينُ الآياتِ والعطفُ لتغايرِ العنوانينِ وإما بعضُ مشاهيرِها كالعَصا أفردتْ بالذكرِ مع اندراجِها تحتَ الآياتِ لإنافتِها إفرادَ جبريلَ وميكالَ به معَ دخولِها في الملائكةِ عليهم السَّلامُ.
{إلى فِرْعَوْنَ وهامان وَقَارُونَ فَقَالُواْ ساحر كَذَّابٌ} أي فيما أظهرَهُ من المعجزاتِ وفيمَا ادَّعاهُ من رسالةِ ربِّ العالمينَ.
{فَلَمَّا جَاءهُمْ بالحق مِنْ عِندِنَا} وهو ما ظهرَ على يدِه من المعجزاتِ القاهرةِ {قَالُواْ اقتلوا أَبْنَاء الذين ءامَنُواْ مَعَهُ واستحيوا نِسَاءهُمْ} كما قالَ فرعونُ سنقتلُ أبناءَهُم ونستحيي نساءَهُم أي أعيدُوا عليهم ما كنتُم تفعلونَهُ أولًا وكانَ فرعونُ قد كفَّ عن قتلِ الوِلْدانِ فلما بُعثَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وأحسَّ بأنَّه قد وقعَ ما وقعَ أعادَهُ عليهم غيظًا وَحنَقًا وزعمًا منْهُ أنَّه يصدُّهم بذلكَ عن مظاهرتِه ظَّنًا منهُم أنَّه المولودُ الذي حكَم المنجّمونَ والكهنةُ بذهابِ ملكِهم على يدِه {وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ في ضلال} أي في ضَياعٍ وبُطلانٍ لا يُغني عنهُم شيئًا وينفذ عليهم لا محالةَ القدرُ المقدورُ والقضاءُ المحتومُ. واللامُ إمَّا للعهدِ والإظهارُ في موقعِ الإضمارِ لذمِّهم بالكفرِ والإشعارِ بعلةِ الحكمِ، أو للجنسِ وهم داخلونَ فيه دخولًا أوليًّا. والجملةُ اعتراضٌ جيءَ بهِ في تضاعيفِ مَا حُكيَ عنْهم من الأباطيلِ للمسارعةِ إلى بيانِ بطلانِ ما أظهروه من الإبراقِ والإرعادِ واضمِحْلالِه بالمرةِ.